شكرا لقرائتكم خبر عن الشيخ علي جمعة.. أزهرى: اقتحم قضايا يتجاهلها الجميع ويتحاشون الكلام فيها والان مع تفاصيل الخبر
الشيخ علي جمعة يتحدث عن الحب العذري في الإسلام
الحب بين الرجل والمرأة ظاهرة إنسانية فطرية نشأت مع وجود الإنسان ثم تطورت عبر التاريخ في أشكال وصور مختلفة بعضها مقبول وبعضها غير مقبول ولما جاء الإسلام لم يتخذ موقفا معاديا من الحب كظاهرة إنسانية ولم يرفضه بل إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تشفع إلى أحد العشاق عند محبوبته، روى الإمام البخاري عن ابن عباس (أن زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: «يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو راجعته» قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: «إنما أنا أشفع» قالت: لا حاجة لي فيه).
فانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عمه العباس (يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة) النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفض الحب ، بل كان عنده ظاهرة تدعو إلى التعجب والتأمل والوقوف عندها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شفوقا رحيما بهذا العاشق الهائم خلف محبوبته المتعلق بها حتى شفع له عند بريرة، ولم يقل له ما هذا الفسق أو حتى ما هذا الضعف والخنوع، بل إنه نظر إليه وتوقف عنده كما كآية من آيات الله تعالى التي تدعو العاقل إلى التدبر والتأمل ، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وكان من الصحابة الذين عرف عنهم أنهم أحبوا امرأة سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه وهو من أكثر الصحابة رواية للحديث واتباعا لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى أبو نعيم في حلية الأولياء قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا رميثة، وَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَز وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأُحِبُّكِ فِي الدُّنْيَا، اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فانظروا كيف فعل الحب بسيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه إنه أخرج الجارية من ملكه، حتى تكون حرة لوجه الله تعالى ، وذكر ابن القيم في روضة المحبين عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنه قال: وذكر ابن القيم في روضة المحبين (1/172) قال : قال الخرائطي واشترى عبد الله بن عمر جارية رومية فكان يحبها حبا شديدا فوقعت ذات يوم عن بغلة له فجعل يمسح التراب عن وجهها ويفديها وكانت تقول له أنت قالون تعني جيد ثم إنها هربت منه فوجد عليها وجدا شديدا -أي حزن عليها حزنا شديد- وقال:
قد كنت أحسبني قالون فانصرفت ... فاليوم أعلم أني غير قالون.
فالحب هو العطاء وليس التملك ولا الرغبة في السيطرة على المحبوب، بل هو ظاهرة إنسانية عفيفة شريفة يجب أن تحاط بالعفاف والصيانة وحب الخير وبذله للمحبوب، وهذه الصورة الصافية النقية للحب التي يحترمها الإسلام، أصبحت غريبة عن مجتمعاتنا الم عاصرة وأصبح مفهوم الحب مختلطا بماهيم المتعة واللهو والشهوة والأمور التي تنافي الأخلاق، لذلك لما سمع بعض الناس كلام مولانا الإمام العلامة نور الدين علي جمعة عن الحب توجسوا خيفة لارتباط مفهوم الحب والعلاقة بمفاهيم غير التي تحدث عنها مولانا فمولانا تحدث عن الحب بمعنى العطاء والحب المحوط بالعفاف والعلنية والحب الذي يخلو من الخلوة المحرمة والحب الذي لن يعرف الحرام إليه سبيلا إذا لم تتح له أبواب الحلال أي الزواج ، مولانا الإمام العلامة ينظر إلى الحب كظاهرة إنسانية لا داعي لإنكارها أو محاربتها أو ممارستها بنوع من السرية والخفاء، فالسرية هي باب الريبة وهي مدخل للوقوع في الحرام، لقد حسن الإمام المحدث أحمد بن الصديق الغماري حديث (من عشق فكتم فعف) وصنف فيه كتاب (درء الضعف عن حديث من عشق فعف) والحديث رواه الإمام والخرائطي في اعتلال القلوب (106) ورواه الكلاباذي في بحر الفوائد (939) والحافظ السلفي في الطيوريات من طربق مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ» وحتى لو اختلف بعضهم في تصحيح هذا الحديث فإن المعنى الذي تضمنه نعنى صحيح لا خلاف فيه ..
وقال ابن القيم في روضة المحبين :
ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجارية تتغنى
هل علي ويحكما ... إن هويت من حرج
فتبسم وقال "لا حرج إن شاء الله ".
وفي عهد السلف الصلح شهد الحب العذري شيئا من الانتشار والذيوع والشيوع وأنتج نوعا راقيا من الأدب والشعر الذي يعد من مفاخر الحضارة العربية هذا في وقت كان يعج بالمحدثين والفقهاء والأئمة والعلماء الذين نظروا إلى هذه الظاهرة ظاهرة الحب العذري بنفس المنطق الذي نظر انطلق منه مولانا الإمام العلامة ، أنه واقع ، وأنه يتسم بالعفاف، ويتسم بالعلنية ، قال ابن القيم في الروضة (1/346): (وقيل لبعضهم وقد هوي جارية فطال عشقه بها ما أنت صانع لوظفرت بها ولا يراكما إلا الله قال والله لا جعلته أهون الناظرين إلي لا أفعل بها خاليا إلا ما أفعله بحضرة أهلها حنين طويل ولحظ من بعيد وأترك ما يسخط الرب ويفسد الحب) ولم نسمع من أئمة هذا الزمان من المحدثين والفقهاء الإنكار على قيس ليلى أو كثير عزة أو جميل بثنية، بل إن السادة الصوفية رضي الله عنهم قد استلهموا من هذه التجارب النقية في الحب بعض الكنايات والمجازات على سبيل الإشارة لا التشبيه للتعبير عن حبهم لله تعالى ، واستحياء من أن يتوجهوا لذاته العلية بالكلام المباشر، قال العلامة الآلوسي في تفسيره (15/ 215) : (ومن هذا يعلم ما في التعبير عنه تعالى شأنه بنحو ليلى ونعم كما يدعي ذلك في قول ابن الفارض قدس سره:
أبرق بدا من جانب الغور لامع ... أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع
وقوله:
إذا أنعمت نعم عليّ بنظرة ... فلا أسعدت سعدى ولا أجملت جمل
إلى غير ذلك من أبياته وقد عاب ذلك بعض الأجلّة وعدّه من سوء الأدب ومخالفا لقوله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: 180] الآية وأجاب بعضهم بأن ذلك ليس من الوضع في شيء وفهم الحضرة الإلهية من تلك الألفاظ إنما هو بطريق الإشارة .... والأظهر أن يقال: إن الكلام المورد فيه ذلك من قبيل الاستعارة التمثيلية ولا نظر فيها إلى تشبيه المفردات بالمفردات فليس فيه التعبير عنه عز وجل بليلى ونحوها، واستعمال الاستعارة التمثيلية في شأنه تعالى مما لا بأس به).
يمكنكم متابعة أخبار مصر و العالم من موقع كلمتك عبر جوجل نيوز